للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعي في قوله الآخر، وحجتهم أن الحدَّ حق للآدميين، ولو عفا بعضهم ولم

يعفُ الكل لم يسقط الحد.

الثالث: التفريق بين رميهم بكلمة واحدة فيحدُّ مرة، أو بكلمات فيحدُّ لكل كلمة بحدٍّ: لأنه إذا تعدد القذف فيجب تعدُّد القذف.

مسقطات حدُّ القذف:

يسقط حد القذف عن القاذف، فلا يعاقب به، بواحد مما يأتي:

١ - عفو المقذوف عن القاذف (١):

فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن للمقذوف أن يعفو عن القاذف، سواء قبل الرفع إلى الإمام أو بعد الرفع إليه، لأنه حق لا يستوفى إلا بعد مطالبة المقذوف باستيفائه، فيسقط بعفوه، كالقصاص، وفارق سائر الحدود، فإنه لا يعتبر في إقامتها طلب استيفائها.

وذهب المالكية إلى أنه لا يجوز العفو بعد أن يرفع إلى الإمام، إلا الابن في أبيه، أو الذي يريد سترًا.

وأما الحنفية فذهبوا إلى أنه لا يجوز العفو عن الحدِّ في القذف، سواء رفع إلى الإمام أو لم يرفع.

وسبب اختلافهم - كما قال ابن رشد -: هل هو حق لله أو حق للآدميين أو حق لكليهما؟ فمن قال: حق الله، لم يجز العفو كالزنا، ومن قال حق للآدميين، أجاز العفو، وعمدتهم أن المقذوف إذا صدَّقه فيما قذفه به سقط عنه الحد.

ومن قال: هو حق لكليهما وغلَّب حق الإمام إذا وصل إليه، قال بالفرق بين أن يصل إلى الإمام أو لا يصل.

قلت: ولعلَّ هذا الأخير يتأيَّد بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب» (٢).

وبالقياس على الأثر الوارد في السرعة في حديث صفوان بن أمية في قصة


(١) «ابن عابدين» (٣/ ١٨٢)، و «المدونة» (٤/ ٣٨٧)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٣٣١)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ١٠٦)، و «المغني» (٨/ ٢١٧).
(٢) حسن بشواهده: وتقدم في أول «الحدود».

<<  <  ج: ص:  >  >>