للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظره في مصلحة المشترى برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين البائع والمشترى من الاجتهاد لأنفسهم، وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١).

• وأجاز المالكية والحنفية للإمام التسعير دفعًا للضرر عن الناس إذا تعدى أصحاب السلعة عن القيمة المعتادة تعديًا فاحشًا. فلا بأس حينئذ بالتسعير بمشورة أهل الرأى والبصر رعاية لمصالح المسلمين.

واستدلوا بفعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين مَرَّ بحاطب في السوق فقال له: "إما أن ترفع السعر وإما أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت" (٢).

٢ - وبالقاعدة الفقهية (الضرر يزال) وبالأخرى (يتحمل الضرر لمنع الضرر العام).

وأجاب من قال بالمنع:

١ - بأن عمر - رضي الله عنه - رجع عن قوله لحاطب - كما في سنن سعيد بن منصور ومسند الشافعي وسنن البيهقي "أن عمر لما رجع حاسب نفسه، ثم أتى حاطبًا في داره، فقال: إن الذي قلتُ لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردتُ به الخير لأهل البلد" (٣).

قلت: ولكنَّ هذه الزيادة في أثر عمر ضعيفة لورودها من طريق القاسم بن محمَّد بن أبي بكر عن عمر وهو لم يسمع من عمر.

ثم إن المتأمل فيما صحح من قول عمر لحاطب يجد أنه لم يسعر، وإنما أمر حاضبًا بأن يرفع سعره خشية أن يلحق الضرر بأهل السوق. والله أعلم.

قلت: ويجاب عن الثاني: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أولى بإزالة الضرر حين شكى إليه المسلمون غلاء السعر فلما لم يفعل ذلك دل على عدم جواز التسعير مع تحقق الضرر والله أعلم.

القول الراجح: عدم جواز التسعير مطلقًا لكن على السلطان أن يعزر من يتعمد زيادة السعر.


(١) سورة: النساء: ٢٩.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه مالك في الموطأ.
(٣) إسناده ضعيف لانقطاعه: أخرجه البيهقي (٢٩١٦) وفي معرفة السنن (١١٦٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>