للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: «لا أعرف شيئًا مما أدركت [يعني: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم] إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعَتْ» (١).

قلت: فَحَرِيٌّ بمن لنفسه عنده قَدْرٌ وقيمة أن يحافظ على مواقيت الصلاة، وأن يؤديها في أول وقتها -إلا العشاء إذا لم تكن مشقَّة- عملاً بقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (٢). وقوله تعالى {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (٣). واقتداءً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والله المستعان.

[٢] بمَ تُدرك الصلاة في الوقت؟ لأهل العلم في هذه المسألة قولان:

الأول: تُدرك بتكبيرة الإحرام: وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والمشهور من مذهب أحمد (٤)، وحجتهم:

١ - أن إدراك جزء من الصلاة -وهو تكبيرة الإحرام- كإدراك الكل لأن الصلاة لا تتبعَّض (٥).

٢ - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها» (٦).

قالوا: والسجدة جزء من الصلاة، فيقاس عليها تكبيرة الإحرام.

الثاني: تُدرك بإدراك ركعة كاملة في الوقت: وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام (٧)، وهو الراجح، لما يأتي:

١ - حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (٨) وجملة (من أدرك ...) شرطية ومفهومها أن من أدرك دون ركعة فإنه لم يدرك، فالإدراك معلق بالركعة الكاملة فعدم اعتبارها إلغاء لما اعتبره الشارع، وتعليق الإدراك بالتكبيرة اعتبار لما ألغاه الشارع.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٣٠).
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٤٨.
(٣) سورة المؤمنون، الآية: ٦١.
(٤) «المجموع» (٣/ ٤٩)، و «الأوسط» (٢/ ٣٤٨)، و «الإكليل» (١/ ٣٠٤).
(٥) «المبدع» (١/ ٣٥٣) لكن عند أبي حنيفة: تفسد صلاته إذا طلعت الشمس وقد بقيت ركعة من الصبح!! وهو خلاف الدليل.
(٦) صحيح: أخرجه مسلم (٦٠٩)، وأحمد (٦/ ٧٨).
(٧) «مواهب الجليل» (١/ ٤٠٨)، و «الدسوقي» (١/ ١٨٢)، و «الإنصاف» (١/ ٤٣٩).
(٨) صحيح: أخرجه البخاري (٥٨٠)، ومسلم (٦٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>