للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الركعات بعد الوتر:

عن عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة النبي بالليل، قالت: «كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، وإذا سلَّم كبَّر فصلَّى ركعتين جالسًا، ويصلي ركعتين بين أذان الفجر والإقامة» (١).

وهاتان الركعتان بعد الوتر، للعلماء فيهما ثلاثة مسالك:

١ - أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما لبيان الجواز، ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة، وأن قولها «كان يصلي» لا يلزم منه الدوام والتكرار إلا أن يدلَّ دليل على ذلك (٢).

٢ - أن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر، فإن الوتر عبادة مستقلة -ولا سيما إن قيل بوجوبه- فتكونان كالركعتين بعد المغرب، فإنها وتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل (٣).

٣ - إنهما خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون الحديث مخصصًا للأمر بجعل آخر الصلاة من الليل وترًا!! (٤).

قلت: القولان الأوَّلان لكل منهما وجه قوي، وأما الثالث ففيه نظر، فإن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم مشروعية التأسي به فيها، فإن قيل: فعله صلى الله عليه وسلم لا يخصص أمره بأن يُجعل آخر صلاة الليل وترًا؟ قلنا: نعم، لكن الأمر مصروف إلى الندب بما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف منكم ألا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أوله ليرقد ...» (٥) وبإقراره صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الإيتار قبل النوم (٦)، ففيهما مشروعية التنفل لمن استيقظ من النوم وقد كان أوتر قبله، ثم وقفت على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالركعتين بعد الوتر في حديث ثوبان مرفوعًا: «إن هذا السَّفر جهد وثقل، فإن أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له» (٧) فالتقى الأمر بالفعل وثبتت المشروعية، ويكون الأمر بجعل الوتر آخر الليل على الاستحباب، والله تعالى أعلم.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (١١٥٩)، ومسلم (٧٣٨) وغيرهما.
(٢) «شرح مسلم» للنووي (٦/ ٢١) ط. إحياء التراث العربي.
(٣) «زاد المعاد» لابن القيم (١/ ٣١٨، ٣١٩).
(٤) «نيل الأوطار» (٣/ ٤٨) ط. الحديث.
(٥) صحيح: تقدم قريبًا.
(٦) صحيح: تقدم قريبًا.
(٧) صححه الألباني: أخرجه الدارمي (١٥٩٤)، وعنده «السهر» بدل «السفر» وابن خزيمة (١١٠٦)، والدارقطني (٢/ ٣٦)، وانظر «الصحيحة» (١٩٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>