ولذلك كله كان أتباع الأئمة {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ} (١) لا يأخذون بأقوال أئمتهم كلها، بل قد تركوا كثيرًا منها لمَّا ظهر لهم مخالفتها للسنة حتى أن الإمامين: محمد بن الحسن وأبا يوسف- رحمهما الله- قد خالفا شيخهما أبا حنيفة في نحو ثلث المذهب، وكتب الفروع كفيلة ببيان ذلك، ونحو هذا يقال في الإمام المزني وغيره من أتباع الشافعي وغيره، ولو ذهبنا نضرب على ذلك الأمثلة لطال بنا الكلام، ولخرجنا به عما قصدنا إله في هذا البحث من الإيجاز، فلنقتصر على مثالين اثنين:
١ - قال الإمام محمد في «موطئه»(ص ١٥٨): «قال محمد: أما أبو حنيفة رحمه الله فكان يرى في الاستسقاء صلاة، وأما في قولنا، فإن الإمام يصلى بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه» إلخ.
٢ - وهذا عصام بن يوسف البلخي من أصحاب الإمام محمد ومن الملازمين للإمام أبى يوسف «كان يفتى بخلاف قول الإمام أبى حنيفة كثيرًا، لأنه لم يعلم الدليل، وكان يظهر له دليل غيره فيفتى به»، ولذلك «كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه»؛ كما هو في السنة المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم، فلم يمنعه من العمل بها أن أئمته الأربعة وغيرهم كما تقدم.
(٦) هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين؟
لا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ألزم الناس أن يلتزموا مذهب واحد من الأئمة بعينه، وإنما أوجب اتباعه صلى الله عليه وسلم، فإن الحق محصور فيما جاء به فإذا تأمل المنصف يظهر له أن التقليد لمذهب إمام معين من غير نظر إلى دليل جهل عظيم وبلاء جسيم، بل إنه مجرد هوى وعصبية، والأئمة المجتهدون قاطبة على خلافه، كما رأيت كلامهم، فمن اتبع الدليل فقد اتبع إمامه وسائر الأئمة ويكون متبعًا لكتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون خارجًا عن مذهبهم إذا صمم وجمد على التقليد على خلاف الدليل، لأن إمامه لو بلغه الحديث السالم عن المعارض، لترك