للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثة، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين من هذه المنزلة، وأيضًا فإن هؤلاء الفقهاء كلهم قد نهوا عن تقليد غيرهم فقد خالفهم من قلدهم» اهـ.

قال المعصومي (١): والعجب من هؤلاء المقلدين لهذه المذاهب المبتدعة الشائعة والمتعصبين لها، فإن أحدهم يتبع ما نُسب إلى مذهبه مع بُعده عن الدليل، ويعتقده كأنه نبي مرسل، وهذا ناى عن الحق، وبُعد عن الصواب، وقد شاهدنا وجربنا أن هؤلاء المقلدين يعتقدون أن إمامهم يمتنع على مثله الخطأ، وأن ما قاله هو الصواب البتة، وأضمر في قلبه أنه لا يترك تقليده وإن ظهر الدليل على خلافه، وهذا هو طبق ما رواه الترمذي وغيره عن عدى بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} (٢)، فقلت: يا رسول الله، إنهم ما كانوا يعبدونهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنهم إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه، فذلك عبادتهم» (٣) اهـ.

ونقل عن الشافعي قوله (٤): «من قلَّد معيَّنًا في تحريم شيء أو تحليله، وقد ثبت الحديث على خلافه، ومنعه التقليد عن العمل بالسنة؛ فقد اتخذ من قلَّده ربًّا من دون الله تعالى يحل له ما حرم الله، ويحرم عليه ما أحل الله» اهـ.

ونقل المرداوى (٥) عن شيخ الإسلام قوله: «من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب وإلا قُتل، لأن هذا الإيجاب إشراك بالله في التشريع الذي هو من خصائص الربوبية» اهـ.

وقد ذكر الكمال بن الهمام الحنفي: أن التزام مذهب معين غير لازم على الصحيح، لأن التزامه غير ملزم، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة


(١) «هدية السلطان» (ص: ٥٢ - ٥٣).
(٢) سورة التوبة، الآية: ٣١.
(٣) حسنه الألباني. أخرجه الترمذي والبيهقي (١٠/ ١١٦) بسند ضعيف وله شاهد موقوف على حذيفة وآخر مرسل، وبهما حسنه الألباني في تخريجه للمصطلحات الأربعة ص (١٨ - ٢٠).
(٤) «هدية السلطان» (ص ٦٩).
(٥) «الإنصاف» للمرداوي (١١/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>