للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيصدر في ذلك عما يخبره - فمعذور لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولابد له من تقليد عالم، فيما جهله، لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.

ولكن من كانت هذه حاله هل تجوز له الفتيا في شرائع دين الله؟ فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك ويصيرها إلى غير من كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه؟.

وهو مقر أن قائله يخطئ ويصيب، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب، فيما خالفه فيه.

فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى، لحفظه الفروع، لزمه أن يجيزه للعامة.

وكفى بهذا جهلاً وردًّا للقرآن، قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (١). وقال: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (٢).

وقد أجمع العلماء على أن ما لم يتبين ويتيقن فليس بعلم، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئًا. اهـ. كله من جامع ابن عبد البر، رحمه الله.

(١١) التقليد والاتباع:

قال الشنقيطي، رحمه الله (٣):

اعلم أن مما لا بد منه معرفة الفرق بين الاتباع والتقليد، وأن محل الاتباع لا يجوز التقليد فيه بحال.

وإيضاح ذلك: أن كل حكم ظهر دليله من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين، لا يجوز فيه التقليد بحال.

لأن كل اجتهاد يخالف النص فهو اجتهاد باطل، ولا تقليد إلا في محل الاجتهاد.

لأن نصوص الكتاب والسنة حاكمة على كل المجتهدين، فليس لأحد منهم مخالفتها كائنًا من كان.


(١) سورة الإسراء، الآية: ٣٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٨٠.
(٣) «أضواء البيان» (٧/ ٥٤٧ - ٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>