للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أكثرهم: يُبدأ بالكفن ثم بالدَّين ثم بالوصية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل الذي وقصه بعيره: «وكفنوه في ثوبين» ولم يستفصل هل عليه دين أم لا؟ فدلَّ على تقديم الكفن على الدين، فليس لغرمائه ولا لورثته منع ذلك، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمهم نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على أهل اليسار وعلى من يراه ..

وقيل: بل يقدَّم الدين، لأن الله تعالى لم يجعل ميراثًا ولا وصية إلا فيما يخلفه المرء بعد دينه فصحَّ أن الدين مقدَّم، فإن لم يكن له مال وجب على المسلمين تكفينه، وأما الاستدلال بحديث من وقصه بعيره فيرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تكفل بديون من مات من المسلمين لقوله: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته» (١) وهو قول أبي محمد بن حزم.

وأما تكاليف المرأة المزوَّجة:

فقال بعض أهل العلم: يُلزم زوجها بتكاليف كفنها وسائر مؤن تجهيزها (٢)، وقيل: بل يُخصم من رأس مالها إن تركت مالاً ولا يلزم زوجها، لأن أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة، قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» (٣) وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة والكسوة والإسكان، ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن كسوة، ولا القبر إسكانًا» (٤).

قلت: وهذا هو الأظهر والله أعلم.

فائدة: يجوز للشخص تجهيز كفنه قبل الموت:

فعن سهل بن سعد «أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتُها ... قالت: نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلان، فقال: اكسنيها ما أحسنها، قال القوم: ما أحسنتَ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يردُّ؟!


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧٣١)، وغيره.
(٢) «المجموع» (٥/ ١٨٨)، وانظر كتابي «فقه السنة للنساء» (ص: ١٨٩) ط. التوفيقية.
(٣) صحيح: يأتي بطوله وتخريجه في «الحج».
(٤) «المحلى» لابن حزم (٥/ ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>