للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى ما فيه، لكن نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على نجاسته، وسيأتي الكلام في ذلك.

بينما ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشوكاني وصديق خان والألباني وابن عثيمين -رحمهم الله- إلى القول بطهارته لعدم ثبوت الإجماع عندهم، واستدلوا كذلك بما يأتي:

١ - أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم الليل على النجاسة، ولا نعمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل دمْ غير دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ونحوها، فلو كان الدم نجسًا لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى ذلك.

٢ - أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم، وقد يسيل منهم الدم الكثير، الذي ليس محلاًّ للعفو، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بغسله، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزًا شديدًا:

- قال الحسن: «ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم» (١).

وفي حديث الصحابي الأنصاري «الذي قام يصلي في الليل، فرماه المشرك بسهم، فوضعه، فنزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ومضى في صلاته وهو يموج دمًا» (٢).

قال الألباني (٣) -رحمه الله -: وهو في حكم المرفوع، لأنه يُستبعد عادة أن لا يطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلو كان الدم الكثير ناقضًا لبينه صلى الله عليه وسلم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول، وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفى ذلك عليه، فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فلو كان ناقضًا أو نجسًا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد. اهـ.

وفي حديث مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «صلى عمر وجُرحه يثعب دمًا» (٤).

أي: يجري دمًا.


(١) إسناده صحيح: رواه البخاري معلقًا (١/ ٣٣٦) ووصله ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في الفتح (١/ ٣٣٧).
(٢) صحيح: علقه البخاري (١/ ٣٣٦) ووصله أحمد وغيره وهو صحيح.
(٣) «تمام المنة» (٥١، ٥٢).
(٤) صحيح: أخرجه مالك (٨٢) وعنه البيهقي (١/ ٣٥٧) وغيره بسند صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>