للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - أن فرض الصيام جارٍ مجرى الصلاة والإسلام، فكما أنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يُسلم أحد عن أحد، فكذلك الصيام، ومقتضى الدليل أن فعلهما عن الميت بعد موته لا يبرئ ذمته، ولا يقبل منه، ولا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض الله عليه.

وأما النذر فإن الشارع لم يلزمه به ابتداءً وإنما ألزم به المكلف نفسه، فصار بمنزلة الدَّيْن الذي استدانه، فدخلته النيابة.

قلت (أبو مالك): والذي يترجح لديَّ أنه يصام عن الميت القضاء والنذر مطلقًا، لأن العام (في حديث عائشة) لا يُخَصَّصُ بأحد أفراده (في حديث ابن عباس) إلا عند التعارض -كما تقرر في الأصول- ولا تعارض هنا، ولذا قال الحافظ في «الفتح» (٤/ ٢٢٨): فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة. اهـ.

والحاصل: أن من مات وعليه صيام لا يخلو من أحد ثلاثة:

١ - أن يتصل عذره في قضائه حتى يموت وهو غير قادر على قضائه، فهذا لا شيء عليه ولا على ورثته، ولا في تركته لا صيام ولا إطعام (١).

٢ - أن يزول عذره ويتمكن من قضاء رمضان، ولا يقضيه حتى يموت، فهذا يُصام عنه.

٣ - أن يموت وعليه نذر، فيصوم عنه ورثته.

فائدتان:

١ - قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» خبر بمعنى الأمر وتقديره (فليصم عنه وليه) وهذا الأمر للندب لا للإيجاب عند الجمهور (٢) خلافًا لأهل الظاهر، ويقوي هذا رواية البزار ففيها (فليصم عنه وليه إن شاء) (٣)، وهذا هو الموافق للقواعد فإن الأصل براءة الذمة وأن المكلف غير ملتزم بأداء ما ثبت في ذمة غيره إلا بدليل صريح.

٢ - من مات وعليه صوم، وصام عنه رجال بعدد الأيام التي عليه جاز ذلك.

وأما الإطعام فإن جمع وليه مسكين بعدد الأيام التي عليه وأشبعهم، جاز، كذلك فعل أنس بن مالك رضي الله عنه.


(١) «المجموع» (٦/ ٤١٤).
(٢) «فتح الباري» (٤/ ٢٢٨).
(٣) هذا لو صحت، وهي زيادة منكرة وانظر «تمام المنة» (ص: ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>