للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة، فقال قوم: المحصر هو المحصر بالعدوِّ فقط، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

قالوا: لأن الآية نزلت في إحصار المشركين وصدهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة الحديبية واحتجوا كذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ} بعد قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} وبقوله تعالى بعده: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً ..} قالوا: فلو كان المحصر هو المحصر بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلك فائدة، وهذامذهب ابن عمر وابن عباس.

وقال آخرون: بل المحصر هو المحصر بمرض وبعدو وبكل ما يمنع من إتمام النسك وبه قال مالك وهو رواية عن أحمد واختاره شيخ الإسلام وهو الراجح (١) لعموم قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} وأما كون سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم أحصره العدو، فهذا قصر للدليل على سببه ولا يصح، وأما الاستدلال بقوله تعالى {فَإِذَا أَمِنتُمْ} فهو من باب ذكر حكم بعض أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص كما هو مقرر في الأصول، هذا على أنه قوله تعالى {فَإِذَا أَمِنتُمْ ...} الأظهر أنه في غير المحصر، بل في المتمتع الحقيقي، فكأن المعنى: فإذا لم تكونوا خائفين لكن تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، ويدل على هذا التأويل قوله سبحانه: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} والمحصر يستوي فيه حاضر المسجد الحرام وغيره بإجماع!!

قلت: «أبو مالك»: وأصرح من هذا كله حديث عائشة رضي الله عنها في قول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير: «أردت الحج؟» قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: «حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني» (٢) وهو صريح في اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم الوجع والمرض سببًا للإحصار، والله أعلم.

من أحصر ماذا يصنع؟

من أحصر عن إتمام نسكه، فإن كان اشترط أن محله حيث حُبس، فإنه يحلُّ ولا شيء عليه، لحديث عائشة المتقدم.

وإن لم يكن قد اشترط، فإنه يتحلل بعمرة ويجب عليه هدي عند الجمهور لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (٣).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٥٢٩)، و «الإنصاف» (٤/ ٧١)، و «الاختيارات» (ص ١٢٠).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٥٠٨٩)، ومسلم (١٢٠٧).
(٣) سورة البقرة: ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>