للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامس: أنه لو قُدِّر أنهم قالوا هذا، فهم آحاد لا يثبت بنقلهم التواتر، والتواتر من شرطه استواء الطرفين والواسطة، وأين التواتر الموجود عن العرب قاطبة قبل نزول القرآن إنهم كانوا لا يعرفون للإيمان معنى غير التصديق (١)؟

السادس: أنه لم يذكر شاهدًا من كلام العرب على ما ادعاه عليهم، وإنما استدل من غير القرآن بقول الناس: فلان يؤمن بالشفاعة، وفلان يؤمن بعذاب القبر، ومعلوم أن هذا ليس من ألفاظ العرب قبل نزول القرآن، بل هو مما تكلم الناس به بعد عصر الصحابة، ومن قال ذلك فليس مراده التصديق بما يرجى ويخاف بدون خوف ولا رجاء، بل يصدق بعذاب القبر ويخافه، ويصدق بالشفاعة ويرجوها، وإلَّا لو صدق بأنه يعذب في قبره ولم يكن في قلبه خوف من ذلك أصلًا لم يسموه مؤمنًا به، كما لا يسمون إبليس مؤمنًا بالله، وإن كان مصدقًا بوجوده وربوبيته. وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (٢) ليس في الآية ما يدل على أن المصدق مرادف للمؤمن، فإن صحة هذا المعنى بأحد اللفظين لا يدل على أنه مرادف للآخر. ولو فرض أن الإيمان في اللغة التصديق فمعلوم أن الإيمان ليس هو التصديق بكل شيء بل بشيء مخصوص، فيكون الإيمان في كلام الشارع أخصَّ من الإيمان في اللغة" (٣).

وأما استدلالهم الثاني، فهذه النصوص التي ذكروها لا تنفي وجود الإيمان في غير القلب، وقد جاءت نصوص أخرى تدل على أن الإيمان باللسان والجوارح أيضًا.


(١) الفتاوى (٧/ ١٢٢، ١٢٣، ١٢٤).
(٢) سورة يوسف، الآية: ١٧.
(٣) الفتاوى (٧/ ١٢٥، ١٢٦) بتصرف.

<<  <   >  >>