للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظر بعقله في المخلوقات فدله ذلك على أن لها خالقًا خلقها، ألا ترى أنه استفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خالق المخلوقات استفهام تقرير للقاعدة التي لا يصح العلم بالرسول إلَّا بعد حصولها، وهي التي تفيد العلم بالمرسل، ثم إنه لما وافقه على ما شهد به العقل وأن الله تعالى هو المنفرد بخلق هذه المخلوقات أقسم عليه، وسأله به هل أرسله؟ " (١).

وهذا دليلٌ عقليٌّ على إثبات الخالق -سبحانه وتعالى- فهذه المخلوقات لا شك أنها تدل على الخالق بالنظر والتفكر فيها، ووجود هذه المخلوقات من غير خالق أمر يحيله العقل، فهذه الموجودات محدثة، فهي موجودة بعد أن لم تكن، فهي إما أن تكون وجدت من عدم أو من محدث لها.

والأول معلوم البطلان عقلًا، فلابد إذًا من محدث لها. فإما أن تكون أحدثت نفسها، وهذا معلوم البطلان أيضا، وإما أن يكون المُحْدِثُ مُحَدثًا لمُحدثٍ آخر، وهذا الأخيرُ مُحْدَث لمُحْدِثِ آخر أيضا إلى ما لا نهاية. وهذا باطلٌ؛ لأنه يؤدي إلى الدور أو التسلسل، فلابد أن تحتاج إلى محدث أول لها قديم أزلي لا يحتاج إلى غيره، وهو واجب الوجود (٢) وهو الله سبحانه وتعالى.


(١) المفهم (١/ ١٦٣).
(٢) قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: لفظ الوجود ومعناه المطلق يشترك فيهما كل من الممكن والواجب والحادث والقديم الأزلي فالله يوصف بأنه موجود والحادث يقال له أيضًا: إنه موجود. ولكن للممكن وجود يخصه فإنه حادث سبق وجوده عدم ويلحقه الفناء وهو في حاجة دائمة ابتداءً ودوامًا إلى من يكسبه ويعطيه الوجود بل يحفظه عليه ولله تعالى وجود يخصه فهو سبحانه واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم ولا يلحقه فناء ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره وذلك لأنه تعالى الغني عن كل ما سواه. الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي لمحمد أحمد سيد (٢/ ٤٠٨).

<<  <   >  >>