للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاستدلال يدل عليه قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} (١).

قال ابن القيم في تفسيره لهذه الآية: "فتأمل هذا الترديد والحصر المتضمن لإقامة الحجة بأقرب طريق وأفصح عبارة، يقول تعالى: هؤلاء مخلوقون بعد أن لم يكونوا، فهل خُلقوا من غير خالق خلقهم، فهذا من المحال الممتنع عند كل من له فهم وعقل ... ثم قال: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهذا أيضًا من المستحيل أن يكون العبد موجدًا خالقًا لنفسه ... وإذا بطل القسمان تعين أن لهم خالقًا خلقهم، وفاطرًا فطرهم، فهو الإله الحق الذي يستحق العبادة" (٢).

وقد استدل القرطبي بهذ الدليل العقلي فقال: "العقل الصريح قد دلَّ على أن كل ما نشاهده من هذه الموجودات ممكن في نفسه متغير في ذاته، وكل ما كان كذلك كان مفتقرًا إلى غيره، وذلك الغير إن كان ممكنًا متغيرًا كان مثل الأول، فلابد أن يستند إلى موجود لا يفتقر إلى غيره يستحيل عليه التغير (٣)، وهو المعبر عنه بلسان النظار بواجب الوجود، وفي لسان الشرع بالصمد، المذكورفي قوله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ} (٤) " (٥).

وهذا الدليل يعرفه كل أحد إذ مخلوقات الله سبحانه وتعالى ظاهرة


(١) سورة الطور، الآية: ٣٥.
(٢) بدائع التفسير (٤/ ٢٦٨).
(٣) هذه جعلها المتكلمون قاعدة فاسدة لنفي صفات الله سبحانه وتعالى الفعلية كالاستواء والمجيء والنزول إلى السماء الدنيا ونحو ذلك.
(٤) سورة الإخلاص، الآية: ١ - ٢.
(٥) المفهم (٥/ ٥٢٨).

<<  <   >  >>