للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضحة وفيها دلالة بينه، ولكن يؤكد على هذا الدليل ويوجَهُ إليه خاصة من انقدحت الشبُه في قلبه، فتمكنت منه فأفسدته حتى أنكر الخالق أوشك فيه.

وقد بيَّن القرطبي هذا عند شرحه لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستتعذ بالله ولينته" (١) حيث قال: "قوله في الحديث الآخر: "قل آمنت بالله" أمرٌ بتذكر الإيمان الشرعي واشتغال القلب به لتمحى تلك الشبهات وتضمحل تلك الترهات وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تعرضُ الترهات لها ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أمر به بقيت القلوب على صحتها وانحفظت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت أمراض الشُّبه فيها ولم تقدر على دفع ما حل بها بتلك الأدوية المذكورة فلابد من مشافهتها بالدليل العقلي والبرهان القطعي كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الذي خالطته شبهة الإبل الجرب حين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى" (٢) فقال أعرابي: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فإذا دخل فيها البعير الأجرب أجربها؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فمن أعدى الأول" فاستأصل الشبهة من أصلها وتحرير ذلك على طريق البرهان العقلي أن يقال: إن كان الداخل أجربها فمن أجربه، فإن كان أجربه بعير أخر كان الكلام فيه كالكلام في الأول، فإما أن يتسلسل أو يدور وكلاهما محال، فلابد أن نقف عند بعير أجربه الله من


(١) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ح (٣٢٧٦) (٦/ ٣٨٧). ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها ح (١٣٤) (٢/ ٥١٣).
(٢) رواه البخاري في كتاب الطب باب لا صَفَرَ وهو داء يأخذ البطن ح (٥٧١٧) (١٠/ ١٨٠).
ومسلم في كتاب السلام باب لاعدوى ولا طيرة ولا هامة ... ح (٢٢٢٠) (١٤/ ٤٦٤).

<<  <   >  >>