للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "المعجزة تدل على الوحدانية والرسالة، وذلك لأن المعجزة -التي هي فعلٌ خارقٌ للعادة- تدل بنفسها على ثبوت الصانع كسائر الحوادث بل هي أخص من ذلك؛ لأن الحوادث المعتادة ليست في الدلالة كالحوادث الغريبة، ولهذا يسبح الرب عندها ويمجد ويعظم ما لا يكون عند المعتاد، ويحصل في النفوس ذلة من ذكر عظمته ما لا يحصل للمعتاد إذ هي آيات جديدة فتعطى حقها، وتدل بظهورها على الرسول، وإذا تبين أنها تدعو إلى الإقرار بأنه رسول الله فتتقرر بها الربوبية والرسالة" (١).

وكذلك ابن القيم -رحمه الله- يرى أن دلالة المعجزة من أقوى الطرق التي يستدل بها على وجود الله تعالى وتوحيده، حيث قال: "وهذه الطريق من أقوى الطرق وأصحها، وأدلها على الصانع وصفاته وأفعاله وارتباط أدلة هذه الطريق بمدلولاتها أقوى من ارتباط الأدلة العقلية الصريحة بمدلولاتها فإنها جمعت بين دلالة الحس والعقل، ودلالتها ضرورية بنفسها، ولهذا يسميها الله سبحانه آيات بينات، وليس في طرق الأدلة أوثق ولا أقوى منها، فإن انقلاب عصا تقلها اليد ثعبانًا عظيمًا يبتلع ما يمر به ثم يعود عصا كما كانت، من أدل الدليل على وجود الصانع وحياته وقدرته، وإرادته، وعلمه بالكليات والجزئيات، وعلى رسالة الرسول، وعلى المبدأ والمعاد، فكل قواعد الدين في هذه العصا، وكذلك اليد، وفلق البحر ... وكذلك سائر آيات الأنبياء ... من أعظم الأدلة على الصانع وصفاته وأفعاله وصدق رسله واليوم الآخر، وهذه من طرق القرآن التي أرشد إليها عباده ودلهم بها" (٢).


(١) الفتاوى (١١/ ٣٧٩).
(٢) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (٣/ ١١٩٧، ١١٩٨).

<<  <   >  >>