للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وقف القرطبي وقفات كثيرة عند معجزاته عليه الصلاة والسلام ودلائل نبوته مبينًا أن ذلك علامةٌ على صدقه وآية لرسالته والتي لا شك أنها تتضمن الدعوة إلى وحدانيته والإقرار بربوبيته، والدعوة إلى عبادته تعالى. حيث قال: "قوله عليه الصلاة والسلام: "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله" (١) عند وقوع ما أخبر به من الغيب، دليلٌ على أن ذلك من جملة معجزاته، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحد قولي، وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون: إن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها، فإن لم تكن كذلك، فالخارق كرامة لا معجزة والذي ينبغي أن يقال: إن ذلك لا يشترط بدليل: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- استدلوا بذلك على صدقه وثبوت رسالته" (٢).

والتفصيل في معجزاته -صلى الله عليه وسلم- يأتي في مبحث دلائل النبوة في الفصل الثالث من هذه الرسالة.

على أنه صرَّح في موضع آخر على أن هذا الدليل -أي المعجزة- علامة على ربوبية الله سبحانه وإثبات وحدانيته، فعند شرحه لحديث أنس رضي الله عنه الذي سبق ذكره بسؤال الأعرابي للرسول -صلى الله عليه وسلم- عن خلق السماء والأرض والجبال، قال القرطبي بعد ذلك: "ثم إن الرجل استمر على أسئلته إلى أن حصل على طلبته فانشرح صدره للإسلام، وزاحت عنه الشكوك والأوهام، وذلك ببركة مشاهدته أنوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان


(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب "إنَّ الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر ح (٣٠٦٢) (٦/ ٢٠٧). ومسلم في كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ح (١١١) (٢/ ٤٨٢).
(٢) المفهم (١/ ٣١٩).

<<  <   >  >>