للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ورد في القرآن من القسم بغير الله تعالى.

وقد أورد القرطبي هذا الاستتشكال وأجاب عليه فقال: فإن قيل كيف يحكم بتحريم الحلف بالآباء والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد حلف بذلك لما قال: "أفلح وأبيه إن صدق" وكيف يحكم بتحريم الحلف بغير الله، وقد أقسم الله تعالى بغيره فقال: {وَالضُّحَى (١){وَالشَّمْسِ}، {وَالْعَادِيَاتِ}، {وَالنَّازِعَاتِ}، وغير ذلك مما في كتاب الله تعالى من ذلك؟ (١).

وقد أجاب عن ذلك فقال: قوله: "وأبيه" الرواية الصحيحة التي لا يعرف غيرها، هكذا بصيغة القسم بالأب، وقال بعضهم: إنما هي "والله" وصحفت بأن قصرت اللامان فالتبست بأبيه، وهذا لا يلتفت إليه؛ لأنه تقدير يخرم الثقة برواية الثقات الأثبات، وإنما صار هذا القائل إلى هذا الاحتمال لما عارضه عنده من نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء حيث قال: "لا تحلفوا بأبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" (٢).

وينفصل عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن يقال: إن هذا كان قبل النهي عن ذلك.

والثاني: أن يكون ذلك جرى على اللسان بحكم السبق من غير قصد للحلف به كما جرى منه: تربت يمينك، وعَقْرى حلقى (٣) وهذه عادة عربية بشرية لا مؤاخذة عليها ولا ذم يتعلق بها (٤).


= (١/ ٢٨٣).
(١) المفهم (٤/ ٦٢٢).
(٢) سبق تخريجه ص (٢٩٩).
(٣) عقرى: أي عقرها الله وأصابها بعقر في جسدها و"حلقى" أي: أصابها وجع في حلقها وهو دعاء يجري على لسان العرب ولا يعنونه.
(٤) المفهم (١/ ١٦٠).

<<  <   >  >>