فذهب العدد وقل المال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوها ذميمة"(١).
قلت -أي القرطبي-: ولا يظن بمن قال هذا القول أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها وتفعل عندها، فإنها كانت لا تقدم على ما تطيرت به، ولا تفعله بوجهٍ، بناءً على أن الطيرة تضر قطعًا، فإن هذا ظنٌّ خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود، وهذا على نحو ما ذكرناه في المجذوم، فإن قيل: فهذا يجري في كل متطير به، فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر؟ فالجواب: ما نبهنا عليه من أن هذه ضرورية في الوجود، ولابد للإنسان منها، ومن ملازمتها غالبًا، فأكثر ما يقع التشاؤم بها فخصها بالذكر لذلك فإن قيل: فما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء فإن الدار إذا تطير بها فقد وسع له في الارتحال عنها، وموضع الوباء قد منع من الخروج منه؟ ! .
فالجواب ما قاله بعض أهل العلم: إن الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يقع التأذي به ولا اطردت عادة به خاصة ولا عامة ولا نادرة ولا متكررة، فهذا لا يصغى إليه، وقد أنكر الشرع الالتفات إليه،
(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب الشؤم في الفرس، صحيح الأدب المفرد للألباني (٣٤١)، وأبو داود في كتاب الكهانة والتطير باب في الطيرة، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٤١٧) برقم (٧٩٠).