للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلقي غراب في بعض الأسفار، أو صُراخ بومة في دار، ففي مثل هذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا طيرة" و"لا تطيروا" وهذا القسم هو الذي كانت العرب تعتبره وتعمل عليه مع أنه ليس في لقاء الغراب، ولا دخول البومة دارًا ما يشعر بأذى ولا مكروه لا على وجه الندور ولا التكرار.

وثانيها: ما يقع به الضرر، ولكنه يعم ولا يخص، ويندر ولا يتكرر كالوباء، فهذا لا يقدم عليه عملًا بالحزم والاحتياط، ولا يفر منه لإمكان أن يكون قد وصل الضرر إلى الفار فيكون سفره سببًا في محنته وتعجيلًا لهلكته.

ثالثها: سبب يخص ولا يعم، ويلحق منه الضرر بطول الملازمة كالدار والفرس والمرأة، فيباح له الاستبدال والتوكل على الله تعالى، والإعراض عما يقع في النفوس منها من أفضل الأعمال، وقد وضح الجواب والله الموفق للصواب" (١).

ثم بيَّن -رحمه الله- بعض تأويل العلماء لهذا الحديث، وبين انتقاداته لها، وقرر أن ما ذكره في تخريج الحديث هو الأولى، فقال: "وقد سلك العلماء في تأويل ذلك الحديث أوجهًا أُخر.

منها: أن بعضهم قال: إنما هذا منه -صلى الله عليه وسلم- خبر عن غالب عادة ما يتشاءم به، لا أنه خبر عن الشرع (٢)، وهذا ليس بشيء؛ لأنه تعطيل لكلام الشرع عن الفوائد الشرعية التي لبيانها أرسله الله سبحانه وتعالى، ومنهم


(١) المفهم (٥/ ٦٢٩).
(٢) وقد كانت عائشة رضي الله عنها، تنكر على أبي هريرة هذه الرواية وتقول إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك" وأجاب الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذا الإنكار فقال: ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك. فتح الباري (٦/ ٦١).

<<  <   >  >>