للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول، فمن أنكر حقيقة السحر، وجعله من باب التخييل فقط فهو ينكر تأثيره. والذين أثبتوا أن للسحر حقيقة أثبتوا أن له تأثيرًا، ولكنهم اختلفوا في هذا التأثير.

فالجمهور أن للسحر تأثيرًا فقط بحيث يغير المزاج، فيكون نوعًا من الأمراض، ولا يزيد على ذلك بحيث يكون الجماد حيوانًا مثلًا. وذهبت طائفة قليلة إلى أن للسحر تأثيرًا يصل إلى قلب الأعيان (١). قال الحافظ ابن حجر عن ما قالته هذه الطائفة: "إن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم، وإن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف، فإن كثيرًا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه (٢).

وهذا هو الذي ذهب إليه القرطبي، وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام القرطبي بعد كلامه السابق.

قال القرطبي: "السحر ليس بخرق عادة، بل هو أمر عادي، يتوصل إليه من يطلبه غالبًا، غير أنه يقل ويندر، فلا نقول: إن الساحر تنخرق له العادة خلافًا لمن قال ذلك من أئمتنا وغيرهم: إن العادة تنخرق له، فإن أرادوا بذلك جواز انخراقها له عادة عقلًا فمسلم، ما لم يدَّع النبوة، فإن حاصل ذلك أنه أمر ممكن، والله تعالى قادر على كل ممكن، وإن أراد بذلك: أن الذي وقع في الوجود خارق للعادة فهو باطل" (٣).


(١) موقف الإسلام من السحر لحياة سعيد عمر باخضر (١/ ٣٥٨).
(٢) فتح الباري (١٠/ ٢٣٣).
(٣) المفهم (٥/ ٥٦٩). وقد أثبت المازري أن مذهب الأشعرية جواز خرق العادة خلافًا لما قرره القرطبي هنا حيث قال: فإن قيل إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يدي الساحر فبماذا يتميز من النبي الصادق قيل: العادة تنخرق على يد النبي وعلى يد الولي وعلى يد الساحر إلَّا أن النبي يتحدى بها، ويستعجز سائر الخلق ويحكي عن الله سبحانه خرق العادة لتصديقه فلو كان كاذبًا لم تخرق العادة على يديه ولو خرقها لأظهر على يد غيره من المعارضين له، مثل =

<<  <   >  >>