وقد سلك المتكلمون هذا المنهج الباطل نظرًا لتحكيمهم العقول القاصرة في النصوص الشرعية، وتقديم العقل على النقل، وزعمهم أن إثبات هذه الصفات يناقض العقل فاعتقدوا أن إثبات الصفات الذاتية كاليد والقدم ونحوها يقتضي التجسيم والتركيب بحيث يكون الله تعالى جسمًا مجسمًا ذا أعضاء وجوارح.
وأن إثبات علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه أو نزوله إلى السماء الدنيا يقتضي إثبات الجهة لله تعالى والتحيز وأنه محصور محدود.
وأن إثبات هذه الصفات وغيرها من الصفات الفعلية لله تعالى يلزم منه حلول الحوادث بالله تعالى، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. إلى غير ذلك من الترهات التي هي من آثار تحكيم العقول وتقديمها على النصوص الشرعية فلبسوا على من لا يعرف مصطلحاتهم، وهي في الحقيقة أوهام وشبهات منعتهم من قبول الحق، ووقعوا بسببها في تحريف نصوص الكتاب والسنة.
وسأورد بعض النقولات من كتابي "المفهم" و"المعلم" تبين سلوك القرطبي والمازري لهذا المسلك والتزامهما بهذا المنهج، والأمر يتضح أكثر عند التفصيل في الصفات حيث يكون الرد المفصل من خلالها.
وسأتبع هذه النقولات بالتفصيل في هذه الشبه التي انقدحت في عقولهم مع الرد عليها من كلام السلف.
ومن الشبه التي وقع فيها القرطبي - رحمه الله - ما ذهب إليه من أن العقل والنقل يؤيدان ما ذهب إليه في التأويل حيث قال: "العقل والنقل يردان مذهب المجسمة، أما العقل: فلو كان عرضًا أو جسمًا لجاز عليه