للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يزل يتردد بين موسى - عليه السلام - وبين ربه - تبارك وتعالى - ينزل من عند ربه إلى موسى فيسأله كم فرض عليه، فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف (١). فهذه النصوص وغيرها قد تضافرت مع دلالة العقل والفطرة (٢) على إثبات علو الله تعالى على خلقه.

وأما قوله باتفاق المسلمين على أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء ليست على ظاهرها، فهذه الشبهة هي التي جعلتهم ينفون علو الله تعالى وفوقيته مع اعترافهم بأن جهة العلو أشرف من غيرها، وذلك أنهم تصوروا أن النصوص التي نطقت بأن الله في السماء تدل بظاهرها على أنه تعالى مظروف في جوف السماء، فشبهوه بمخلوق داخل مخلوق آخر (٣). فأرادوا أن يفروا من هذا التشبيه الذي أوقعهم فيه سوء الفهم، فوقعوا في التعطيل.

قال القرطبي: "مذهب أهل الحق والتحقيق أنهم يحيلون على الله تعالى أن يكون في السماء أو في الأرض إذ لو كان في شيء لكان محصورًا محدودًا ولو كان كذلك لكان محدثًا وعلى هذه القاعدة فقوله تعالى: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (٤) وقول الأمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها: "أين الله؟ " فقالت: "في السماء" ولم ينكر عليها ذلك، وما قد روي عن بعض السلف أنهم كانوا يطلقون ذلك ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويلات صحيحة


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات وفرض الصلوات ح (١٦٢) (٢/ ٥٦٧).
(٢) انظر: الفتاوى لابن تيمية (٤/ ٦٠) (٥/ ١٥٢، ٢٧٥، ٢٧٦).
(٣) الصفات الإلهية لمحمد أمان الجامي ص (٢٣٥).
(٤) سورة الملك، آية: ١٦.

<<  <   >  >>