للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم لكن السلف - رضي الله عنهم أجمعين - كانوا يجتنبون تأويل المتشابهات ولا يتعرضون لها مع علمهم بأن الله تعالى يستحيل عليه سمات المحدثات ولوازم المخلوقات" (١).

فالنصوص لا تدل على ما فهموا، بل تدل على ما يليق بالله تعالى، وقد ردَّ شيخ الإسلام هذه الشبهة، فقال: "من توهم كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره - ضال - إن اعتقده في ربه - وما سمعنا أحدًا يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحدًا يفهم هذا من اللفظ، ولا رأينا أحدًا نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين، هل تفهمون من قول الله ورسوله: "إن الله في السماء" أن السماء تحويه؟ لبادر كل واحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئًا محالًا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله بل عند الناس "أن الله في السماء" و"هو على العرش" واحد، إذ السماء إنما يراد به العلو، فالمعنى أن الله في العلو لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وتعالى وسع السموات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبه له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقًا يحصره ويحويه؟ وقد قال سبحانه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (٢) وقال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} (٣) بمعنى "على" ونحو ذلك، وهذا كلام عربي حقيقة لا مجازًا، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا


(١) المفهم (١/ ٣٣٥).
(٢) سورة طه، آية: ٧١.
(٣) سورة آل عمران، آية: ١٣٧.

<<  <   >  >>