للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشتركة (١).

ولهذه الشبهة التي انقدحت في أذهانهم ذهب القرطبي إلى نفي العلو وتأويل كل دليل يدل عليه.

فعند شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُرفَعُ إليه عَمَلُ الليل قبل عَمَلِ النهار، وعمل النهار قبلَ عملِ الليل" (٢) وهو من أدلة العلو. قال: "قوله: "يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل" يعني: أن الملائكة الموكلين بنا تحصى علينا عمل اليوم، فترفعه في آخره لقرب الليل وكذلك في الليل ترفعه بقرب النهار، ولذلك جاء في الرواية الأخرى "يُرفع إليه عملُ الليل بالنهار وعمل النهار بالليل" فجعل الباء مكان "قبل" وهذا الحديث كقوله "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" (٣) والهاء في "إليه" عائدة إلى الله تعالى لكن على طريقة حذف المضاف والمراد به: المحل الذي تنتهي الملائكة إليه بأعمال العباد، ولعله سدرة المنتهى، وهذا كما تقول: رفع المال إلى الملك أي: إلى خزائنه، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (٤) وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (٥) أي: مقاماتهم في حضرته وإنما احتجنا إلى إبداء هذا التأويل، لئلا يتخيل الجاهل أنه مختص بجهة فوق، فيلزمه التجسيم، ويكفيك مما يدل على


(١) الفتاوى (٥/ ١٠٦).
(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب في قوله عليه السلام "إنَّ الله لا ينام" وفي قوله "حجابه النور" ح (١٧٩) (٣/ ١٦).
(٣) رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر ح (٥٥٥) (٢/ ٤١) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما ح (٦٣٢) (٥/ ١٣٨).
(٤) سورة فاطر، آية: ١٠.
(٥) سورة المعارج، آية: ٤.

<<  <   >  >>