للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفي الجهة في حقه تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (١) " (٢).

وهذه التأويلات التي ذكرها القرطبي لهذه النصوص باطلة؛ لأنها خروج بالنصوص عن حقيقتها إلى معانٍ فاسدة لا تحتملها من دون دليل، ولا صحيح تعليل، دفعه ذلك دعوى التنزيه وعدم الوقوع في التشبيه، وهي دعوى ساقطة، الأدلة بضدها وأهل السنة والجماعة أثبتوا علو الله تعالى بهذه الأدلة وبغيرها من النصوص الكثيرة التي يقف أمامها أهل التأويل في حيرة من كثرتها وصراحتها على ما ينفون. بل الفطرة دالة على علو الله تعالى على خلقه لأن الله تبارك وتعالى فطر الخلق كلهم، العرب والعجم، حتى البهائم على الإيمان به، وبعلوه، فما من عبد يتوجه إلى ربه بدعاء أو عبادة، إلَّا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، وارتفاع قلبه إلى السماء لا يلتفت إلى غيره يمينًا، ولا شمالًا، ولا ينصرف عن هذه الفطرة، إلَّا من اجتالته الشياطين والأهواء، ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الجارية التي سألها "أين الله؟ " فقالت: في السماء، مؤمنة؛ لأنها لم تقل إلَّا الحق، وكان أبو المعالي يقول في مجلسه: كان الله ولا شيء، وهو الآن على ما كان عليه - يعرِّض بإنكار استواء الله على عرشه - فقال أبو جعفر الهمذاني (٣): دعنا من ذكر العرش - أي لأنه ثبت بالسمع - وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ما قال عارف قط: يا الله إلَّا وجده من قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة من قلوبنا فصرخ أبو المعالي ولطم رأسه وقال: حيَّرني


(١) سورة الحديد، آية: ٤.
(٢) المفهم (١/ ٤١٠).
(٣) محمد بن أبي الحسن بن محممد الهمذاني أبو جعفر إمام حافظ رحل كثيرًا في طلب العلم قال الذهبي: كان من أئمة أهل الأثر ومن كبراء الصوفية توفي سنة (٥٣١ هـ). سير أعلام النبلاء (٢٠/ ١٠١). شذرات الذهب (٤/ ٩٧).

<<  <   >  >>