للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهمذاني حيرني الهمذاني" (١).

ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع يرفع بإصبعه "السبابة" إلى السماء وينكبها إلى الناس ويقول: "اللهم اشهد اللهم اشهد" (٢) وكان - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يرفع يديه عند الدعاء، فجعل العلماء هذا من الأدلة الفطرية الشرعية على علو الله تعالى، ولكن القرطبي أوَّلَ هذا كغيره من الأدلة حيث قال عند شرحه لحديث أبي بردة - رضي الله عنه - الذي قال فيه: "ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماءٍ فتوضأ منه ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه" (٣).

قال القرطبي: "قوله: ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه" دليل على استحباب الرفع عند الدعاء، وقد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك يوم بدر، وفي الاستسقاء، وقد رويت كراهية ذلك عن مالك، ويمكن أن يقال: إنما كره أن يتخذ ذلك سنة راتبة على أصله في هذا الباب، أو مخافة أن يعتقد الجهال مكانًا لله تعالى، والذي يزيل هذا الوهم: أن يقال: لا يلزم من مدِّ الأيدي إلى السماء أن يكون مكانًا لله ولا جهة كما لا يلزم من استقبال الكعبة أن يكون الله تعالى فيها، بل السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة (٤). وقال عن الحديث الأول: هذه الإشارة منه - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء؛ لأنها قبلة الدعاء، وإما لعلو الله المعنوي؛ لأن الله تعالى لا يحويه مكان، ولا يختص بجهة (٥).


(١) شرح الطحاوية (٢/ ٣٩٠).
(٢) رواه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ح (١٢١٨) (٨/ ٤٢٠).
(٣) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين رضي الله عنهما ح (٢٤٩٨) (١٦/ ٢٩٢).
(٤) المفهم (٦/ ٤٥٠).
(٥) المفهم (٣/ ٣٣٥).

<<  <   >  >>