للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث إشكال يوهم في حق الله تعالى تشبيهًا، وإنما أشكل ذلك على من أعاد الضمير في صورته على الله تعالى، وذلك ينبغي ألَّا يصار إليه شرعًا ولا عقلًا، أما العقل فيحيل الصورة الجسمية على الله تعالى، وأما الشرع فلم ينص على ذلك نصًّا قاطعًا، ومحال أن يكون ذلك، فإن النص القاطع صادق، والصادق لا يقول المحال، فيتعين عود الضمير على المضروب؛ لأنه هو الذي سبق الكلام لبيان حكمه، وقد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى، فالتزموا القول بالتجسيم، وذلك نتيجة العقل السقيم والجهل الصميم، وقد بيَّنا جهلهم، وحقَّقنا كفرهم فيما تقدم، ولو سلمنا: أن الضمير عائدٌ على الله تعالى فللتأويل فيه وجه صحيح، وهو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة، كما يقال: صورة هذه المسألة كذا، أي: صفتها، وصوَّر لي فلان كذا، فتصورته. أي: وصفه لي ففهمته، وضبطتُ وصفه في نفسي وعلى هذا فيكون معنى قوله: "إن الله خلق آدم على صورته" أي: خلقه موصوفًا بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع أصناف الحيوانات وخصه منه بما لم يخص به أحدًا من ملائكة الأرضين والسموات، وقد قلنا فيما تقدم: إن التسليم في المتشابهات أسلم، والله ورسوله أعلم" (١).

وفي حديث: "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا" قال: "هذا الضمير عائدٌ على أقرب مذكور، وهو آدم، وهو أعمُّ، وهذا الأصل في عود الضمائر، ومعنى ذلك أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها، لم ينتقل في النشأة أحوالًا، ولا تردد في الأرحام أطوارًا، إذ لم يخلقه صغيرًا فكبر، ولا ضعيفًا فقوي، بل خلقه رجلًا كاملًا سويًّا قويًّا، بخلاف سُنَّة الله في ولده، ويصح أن يكون معناه للإخبار عن أن الله تعالى


(١) المفهم (٦/ ٥٩٧).

<<  <   >  >>