للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلقه يوم خلقه على الصورة التي كان عليها بالأرض، وأنه لم يكن في الجنة على صورة أخرى، ولا اختلفت صفاته، ولا صورته، كما تختلف صور الملائكة والجن، والله تعالى أعلم، ولو سلَّمنا أن الضمير عائدٌ على الله تعالى لصح أن يقال هنا: إن الصورة بمعنى الصفة" (١).

وأما المازري فعند شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قاتل ... فإن الله خلق آدم على صورته" قال: هذا الحديث ثابت عند أهل النقل، وقد رواه بعضهم: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" (٢) ولا يثبت هذا عند أهل النقل، ولعلَّه نُقِلَ من راويه بالمعنى الذي توهمه، وظن أن الضمير عائدٌ على الله سبحانه، فأظهره، وقال: على صورة الرحمن.

واعلم أن هذا الحديث غلط فيه ابن قتيبة وأجراه على ظاهره، وقال: فإن الله سبحانه له صورة، لا كالصور، وأجرى الحديث على ظاهره، والذي قاله لا يخفى فساده؛ لأن الصورة تفيد التركيب، وكل مركب محدث، والباري سبحانه ليس بمحدث، فليس بمركب، وما ليس بمركب فليس بمصور، وهذا من جنس قول المبتدعة: إن الباري عز وجل جسم لا كالأجسام، لما رأوا أهل السنة يقولون: الباري سبحانه شيء لا كالأشياء طردوا هذا، فقالوا: جسم لا كالأجسام، وقال ابن قتيبة: صورة لا كالصور، وعجبًا لابن قتيبة في قوله: صورة لا كالصور، مع كون هذا الحديث يقتضي ظاهره عند خلق آدم على صورته، فقد صارت صورة الباري سبحانه على صورة آدم - عليه السلام - على ظاهر هذا على أصله، فكيف يقول على صورة آدم، ويقول: إنها لا كالصور، هذا تناقض، ويقال له أيضًا: إن أردت بقولك صورة لا كالصور، أنه ليس بمؤلف ولا


(١) المفهم (٧/ ١٨٣).
(٢) سيأتي تخريجه عند رد الحافظ ابن حجر على المازري في رده لهذا الحديث.

<<  <   >  >>