للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال فإنه يكون معناه: إن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبي إلَّا هاتين المرأتين، ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيَّات وحينئذ يصح أن تكونا أفضل نساء العالمين، والأولى أن يقال: إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء بل يندرج معه كمال الأولياء" (١).

وهذا الذي ذهب إليه القرطبي قد رجّحه الأشعري وابن حزم، وحجتهم في ذلك ما ذكره القرطبي من أن الله تعالى أوحى إليها وأرسل إليها ملكًا وأثبت غيره نبوة غير مريم. والصحيح خلاف ما ذكروه، إذ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣)} [النحل: ٤٣] (٢)، وأما قولهم أن هذا في نفي الرسالة لا النبوة، فلا يوافقون عليه إذ الصحيح أن النبي مأمورٌ بالتبليغ كالرسول، وهذا يحتاج إلى مخالطة الناس وكثرة الاجتماع بهم إلى غير ذلك مما لا يتناسب مع طبيعة المرأة المأمورة بالحشمة والبعد عن الاختلاط.

وأما الاستدلال بالكمال، فلا يلزم من إثبات الكمال حصول النبوة لأن الكمال يطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء (٣).

أما الاستدلال علي إثبات النبوة وجود الوحي فالجواب أن الوحي أنواع، منه وحي نبوة، ووحي إلهام، ووحي منام، كما هو معلوم من معنى الوحي في اللغة. وقد ثبت الوحي لغير مريم ممن لا يثبت القرطبي


(١) المفهم (٦/ ٣٣٢).
(٢) سورة النحل، الآية: ٤٣.
(٣) فتح الباري (٦/ ٥١٥).

<<  <   >  >>