للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إيمانًا" (١).

وقد رد القرطبي على هؤلاء الذين زعموا أن ما معه من باب الخيال فقال: "الجبائي من المعتزلة ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم زعموا أن ما عنده مخارق وحيل قال: لأنها لو كانت أمورًا صحيحة لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبيء وهذا هذيان لا يلتفت إليه، فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة، وليس كذلك، فإنه إنما ادعى الإلهية، وكذبُه في هذه الدعوى واضح للعقول، إذ أدلة حدثه ونقصه وفقره مُدرَكٌ بأول الفطرة، بحيث لا يجهله من له أدنى فكرة، وقد زاد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى إيضاحًا في هذه الحديث من ثلاثة أوجه:

أحدها: بقوله: "ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لأمته، إنه أعور وإن الله ليس بأعور" وهذا تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصًا في ذاته عاجزًا عن إزالة نقصه، لم يصلح لأن يكون إلهًا لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه، كان أعجز عن نفع غيره، وعن مضرته.

وثانيها: قوله: "أنه مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب" وهذا أمرٌ مشاهد للحس يشهد بكذبه وكفره.

وثالثها: قوله: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" وهذا نصٌّ جليٌّ في أن الله تعالى لا يُرى في هذه الدار ... وحاصل هذا: أن الصادق قد أخبر أن الله تعالى لا يراه أحد في الدنيا، والدجال يراه الناس، فليس بإله، وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- نزول إلى غاية البيان بحيث لا يبقى معه


(١) النهاية في الفتن والملاحم (١/ ١٢١).

<<  <   >  >>