وأفاد أيضاً ــ بقوله:{{عندهم}} أن هذه الأقسام الخمسة تحققها قبل الشرع إنما هو على رأي المعتزلة.
واعلم أن المصنف لم يتعرض لإبطال مذهبهم في الأفعال الاضطرارية لأن نفي الإباحة عنها لا يشبه أوضاع الملّة الحنفية السهلة السمحة البيضاء. ولا لإبطال الأفعال الاختيارية التي يقضي العقل فيها بحسن أو قبح، اكتفاءً بما قيل في إبطال قاعدة الحسن والقبح وإنما تعرض للتي لم يقض بشيء منهما فبدأ بإبطال مذهب الحاظر بما تقريره: أنها لو كانت محظورة، أي محرمة قبل الشرع، وفرضنا ضدين كالحركة والسكون، لزم التكليف بالمحال، لامتناع خلو المحل عنها، والتالي باطل.
وفيه نظر؛ لأن التكليف لا يكون إلا بالعقل أو الشرع، والفرض عدمهما فكان غلطاً صرفاً. ولأن مثل تلك الصورة تكون من الضروريات، وليس الكلام فيها.
والأستاذ أبو إسحاق رد مذهب هذه الطائفة بتمثيل إقناعي قال: إذا ملك جواد بحراً لا ينزف، أي لا ينفد ماؤه، وأحب مملوكه قطرة منه. فكيف يدرك تحريمه عقلاً؟ يعني أنه لا يتصور منع الجواد مملوكه عن تلك القطرة. فكذلك الباري ــ تقدس ذاته ــ المالك المطلق لا يمنع مملوكه من الاستلذاذ بنعمه.
ولقائل أن يقول: هذه خطابة لم تفد شيئاً؛ لأن الحكم بالعدم إما أن يكون بالعقل أو بالشرع، والفرض عدمهما.
والقائلون بالحظر قالوا: مباشرة الأفعال المذكورة تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وهو حرام كما في الشاهد، وهذا كلام باطل، لِمَا مَرّ أن الفرض عدم محرم شرعي وعقلي.
وأجاب المصنف بأن كون التصرف حراماً في ملك الغير بغير إذنه لا يكون إلا