قيل: الشيء إنما جعل شرطاً في غيره، إذا كان متعلقاً به أو محدداً لصفة فيه، ألا ترى أن صلابة المحلين لما كانت شرطاً في كون الاعتماد مولداً للاصطكاك، كانت موجبه لتجدد صفة بمحل الاعتماد، وكذلك كون الناظر عالماً بالدليل، لما كان شرطاً في كون نظره مولداً للعلم، كان موجباً لتجدد صفة له، وإذا كان كذلك لم يكن لكل واحد من الأخبار تعلق بالآخر، ولم يتجدد صفة للخبر الأخير بتقدم الأخبار الأخر له، لم يجز أن يكون تقديم غيره من الأخبار شرطاً في توليده العلم.
ولأن الخبر من صفات الحي كالعلم والإرادة والإدراك، ثم ثبت أن تلك الصفات لاتولد شيئاً؛ لأن العلم لا يولد المعلوم، والإرادة لا تولد المراد، والإدراك لا يولد المدرك، بل المعلوم والمراد والمدرك خلق الله تعالى، كذلك الخبر يجب أن لا يولد شيئاً.
ولأن الأكل والشرب والعلاج وجبر الكسر يطلب به حصول غيره، وهو الشبع والري وزوال المرض، ومع ذلك فهو غير مولد، كذلك الخبر.
واحتج المخالف:
بأن العلم بخبر التواتر، لو كان تابعاً للعادة لأجل فعل الله تعالى، لوجب أن تختلف العادة في ذلك، فيقع العلم بخبر الجماعة التي يصح بهم التواتر، ولا يقع بخبر جماعة مثلها، كما أن خلق الولد عند الوطء لما كان من فعل الله تعالى لما أجرى به العادة، جاز أن تختلف فيه العادة، فيخلق الولد عند وطء واحد، ولا يخلق عند وطء آخر، وفي بطلان اختلاف العادات في وقوع العلم بالأخبار دليل على أن العلم فيها ليس من فعل الله تعالى، وإنما هو توليد.
والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون العلم بالشيء واقعا من فعل الله تعالى، وإن لم تختلف العادة فيه، ألا ترى أنا نعلم أن وجود هذه الأجسام