للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دليلنا]

أن الصحابة عقلت من ظاهر قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} ١ أنه يقتضي التكرار، ألا ترى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جمع عام الفتح بطهارة واحدة بين صلوات، قال له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: أعمدًا فعلت هذا يا رسول الله؟ فقال: "نعم"، فعقلت من إطلاق الآية التكرار، فلما خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك وجمع بطهارة واحدة سألته عن ذلك واستكشفت عن حاله.

وأيضًا: فإن الأمر كالنهي في باب أن النهي أفاد وجوب ترك الشيء، والأمر أفاد وجوب فعله، ثم كان النهي أفاد وجوب الترك على الاتصال أبدًا، وجب أن يكون الأمر يفيد وجوب الإيجاب على الاتصال أبدًا.

وامتنع أبو بكر الباقلاني من تسليم هذا، وقال: يقتضي الكفَّ عن مرة واحدة قدر ما إذا وقع منه من الكف.

قيل: قد [ر] النهي كالأمر سواء، وهذا قول مخالف الإجماع؛ لأن الفقهاء أجمعوا على أن النهي يقتضي التكرار٢، وفرقوا بين الأمر والنهي بفروق، ونحن نذكرها، وما خالف الإجماع لا يلتفت إليه.


١ "٦" سورة المائدة.
٢ القول بأن النهي يقتضي التكرار مجمع عليه، حكاه ابن برهان أيضًا، كما حكى الآمدي أنه اتفاق العقلاء إلا من شذَّ.
والواقع أن حكاية الإجماع غير صحيحة، فقد خالف أبو بكر الباقلاني كما ذكر المؤلف، وقال صاحب المحصول: إن القول بعدم التكرار هو المختار، وقال صاحب الحاصل: إنه الحق.
وقد بَيَّنَ الشيخ بخيت أن الخلاف لفظي، وأن النهي يكون للدوام، مدة العمر في المطلق، ومدة القيد في المقيد. راجع: الإحكام للآمدي: "٢/ ١٨٠"، ونهاية السول شرح منهاج الأصول مع حاشية الشيخ بخيت "٢/ ٢٩٤- ٢٩٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>