أن غير الإجماع قد يكون حجة مثل الإجماع، ألا ترى أن الإجماع إنما (١) صار حجة بالخبر الوارد فيه، والخبر إنما صار حجة لقيام دلالة العقل على أن الخير به لا يكذِب، وإذا كان كذلك وجاز ترك المجمع عليه إذا تغيرت حاله وجب أن يجوز أيضاً تركه بغير إجماع.
واحتج المخالف:
بأنه لو جاز ترك المجمع عليه بغير الإجماع لأدى ذلك إلى قيام الدلالة على خلاف الإجماع، وهذا لا يجوز.
والجواب: أنه إذا تغيرت صفته، فليس هو المجمع عليه، بل هو غيره، فلا يكون في تركه بغير الإجماع إزالة ما ثبت بالإجماع بدلالة أخرى.
وجواب آخر، وهو: أنه لو لم يجز ترك ما ثبت بالإجماع إذا تغيرت صفته بدلالة غير الإجماع، لم يجز أيضاً تركه بالإجماع؛ لأن الإجماع على خلاف الإجماع لا يجوز، كما لا يجوز خلاف الإجماع، فلمَّا لم يمتنع تركه بالإجماع لم يمتنع أيضاً تركه بغير إجماع.
واحتج: بأنه لمَّا لم يكن غير الإجماع من جنس ما ثبت به الحكم، لم يجز إزالة الحكم، كما لا يجوز إزالة ما ثبت بنص الكتاب بدلالة القياس.
والجواب: أنه قد يجوز أن يثبت الشيء بدلالة، ثم ينتقل عنها بدلالة أخرى من غير جنسها، ألا ترى أنه يجوز ترك ما ثبت بالعقل بدلالة من جهة السمع وإن كانت من غير جنس دلالة العقل.