أن الواحد منا في الشاهد يحسن منه أن يأمر عبده بما يفعله في غد، وفيما بعد بأوقات، ويطلق عليه اسم الأمر، ويسمى قوله ذلك أمرًا [فـ] وجب أن تكون هذه الصفة جائزة في أمر الله تعالى وأمر رسوله.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون ما يتقدم حال الفعل إعلامًا وتعريفًا، ولا يكون أمرًا إلا في حال الفعل، وتكون هذه سبيل أمر المولى عبده فيما يفعله في الثاني.
قيل: قولك: إنه إعلام؛ لا يخلو من أن يكون المراد به حصول العلم للمأمور [أ] وأنه يحصل له به معلوم؛ فإن أردت به حصول العلم كان ذلك باطلًا؛ لأن العلم هو الاعتقاد للشيء على ما هو به، والأمر هو حروف منظومة؛ فكيف يجوز وقوع العلم بالأمر؟!
فإن أردت به أن المأمور يحصل له بذلك معلوم بأن يعلم ما أمر به في الثاني؛ فلا يخلو ذلك: من أن يكون يعلم وجوب ما أنبأ عنه لفظ الأمر، أو حدوث أمر مستأنف في الثاني، وكلا الأمرين باطل؛ لأنه إن اعتقد وجوب ما أنبأ عنه القول؛ لم يأمن أن يكون الآمر لم يرد بذلك القول وجوب ما تضمنه؛ وإنما أراد به الندب أو نحوه؛ فإذا اعتقد هو غير ذلك؛ كان اعتقاده جهلًا، وكذلك إن اعتقد أن الأمر سيجدد له أمرًا في الثاني عند حال الفعل، لم يأمن أيضًا أن لا يوجد ذلك من الآمر بأن غيره دونه، فيكون اعتقاد المأمور جهلًا، وإذا بطلت هذه الوجوه كلها؛ لم يبق إلا أن يكون ذلك القول أمرًا.