بأنه لو جاز تخصيص العموم بالعقل؛ لجاز نسخه بذلك، كما أن الكتاب والسنة والإجماع لما جاز التخصيص بها جاز النسخ بها.
والجواب: أن القياس يخصص به، ولا ينسخ، وكذلك الإجماع، وعلى أن النسخ إنما لم يجز بالعقل؛ لأن النسخ بيان مدة الحكم، والعقل يجوز بقاء الحكم من غير زوال؛ فلا يجوز أن يكون له تأثير في إزالة ما يجوز بقاؤه، وليس كذلك التخصيص؛ لأنه بيان مراد المخاطب، وهذا المعنى يصح ثبوته بدليل العقل، ألا ترى أن الله تعالى قال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} ١، وكان مخصوصًا في المكلفين، دون الأطفال والمجانين، وكان خصوصه معلومًا بدليل العقل.
وجواب آخر وهو: أن دليل العقل له تأثير فيما هو في معنى النسخ، وإن لم يسم نسخا؛ لأن معنى النسخ هو المنع من أن يلزم في المستقبل، مثل ما كان لازمًا فيما مضى من الوقت، وهذا يثبت بدليل العقل، ألا ترى أن دليل العقل يمنع من لزوم الفرض عند العجز عنه، كما يمنع من ذلك دلالة السمع، إلا أن ذلك لا يطلق عليه اسم النسخ؛ لأن اسم النسخ يختص بما كان ثابتًا من جهة السمع دون العقل، ألا ترى أن فرض التوجه إلى بيت المقدس، لما كان ثابتًا من جهة السمع؛ كان زواله نسخًا؟
وأن إباحة شرب الخمر، لما لم تكن ثابتة من جهة السمع، لكن من جهة العقل؛ لم يسم زوالها نسخًا؛ فإذا كان كذلك، وكان سقوط التكليف بدلالة العقل غير ثابت من جهة السمع؛ لم يكن نسخًا، ولم تجر عليه هذه التسمية، وإن كانت تجري عليه لو كان [٧٥/ب] متعلقًا بدلالة من جهة السمع.