بأن صيغة العموم لا تخلو من أن تكون ثبتت بالعقل أو بالنقل؛ فلا يجوز أن يكون بالعقل؛ لأنه لا مدخل فيه، ولا يجوز أن يكون بالنقل؛ لأن النقل لا يخلو إما أن يكون تواترًا أو آحادًا، ولا يجوز أن يكون تواترًا؛ لأن التواتر لم يوجد؛ لأنه لو وجد لعلمناه، ولا يجوز أن يكون آحادًا؛ لأن نقل الآحاد لا يوجب العلم، ومسألة العموم طريقها العلم والقطع؛ فلم يجز إثباتها بما لا يوجب العلم١.
والجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنا أثبتنا ذلك من طريق العقل والنقل، وقد ذكرنا الطريقين جميعًا.
الثاني: أنا أثبتنا من طريق ثالث، وهو الاستدلال بمخارج كلامهم على مقاصدهم وإرادتهم مثل ما ذكرته من الاستدلال بالنكرة في الإثبات والنفي والاستفهام والاستثناء، وهذا قسم ثالث لم يذكره المخالف.
جواب ثالث: أنا نقلبه عليهم فنقول: إثباتك إياه مشتركًا؛ لا يخلو ذلك من أن يكون [عقلًا] أو نقلًا، ونذكر القسمين.
وهذا كما قال نفاة القياس: من [أن] إثبات القياس لا يخلو إما أن يكون عقلًا أو نقلًا، ولا يجوز أن يكون عقلًا؛ لأنه لا مدخل له فيه، ولا يجوز أن يكون نقلًا على ما ذكره المخالف؛ فقلنا لهم: تحريم القياس لا يخلو إما أن يكون بالعقل أو بالنقل، وإذا كان جوابنا هناك، فهو جوابنا ههنا.
١ هذا الدليل ساقه أبو الحسين البصري في كتابه: "المعتمد في أصول الفقه": "١/٢٢٣-٢٢٤" بأوسع مما هنا.