فإن قيل: فيلزمكم على هذا: أن تجيزوا ورود التعبد بالعمل لما يخبر به الواحد، وإن كان فاسقاً، كما يجب علينا قبول خبر الفاسق إذا خَوفنا من سلوك بعض الطرق.
قيل: العقل لا يمنع من ذلك، وإنما نرجع في المنع منه إلى السمع.
وأيضاً: فإن الله تعالى قد تعبد الحاكم بقبول قول الشهود للعمل به، وإن جاز أن يكونوا غير صادقين.
وكذلك تعبد الله المستفتى بالعمل على قول المفتي، مع جواز كونه كاذباً فيما يفتي به، كذلك لا يمتنع أيضاً: أن يتعبد الله تعالى بالعمل بما يخبر به الواحد مع جواز كونه غير صادق.
فإن قيل: فيلزمكم أن تجيزوا ورود التعبد بصدق النبي، وإن لم يكن معه ما يدل على صدقه من الإعلام بالمعجزة، وأن تجيزوا [١٢٧/ب] العمل بخبر الواحد في إثبات القرآن وأصول الدين.
قيل: أما العمل بخبر النبي، فإنما لم يجب ما لم يكن معه ما يدل على صدقه؛ لأن العمل بخبر الواحد، إنما يجب علينا إذا ورد السمع بذلك، فما لم تقم الحجة بأصل الشريعة فإنا لا نعلم أنا قد تعبدنا بالعمل بخبر الواحد في الشرعيات، فإذا كان كذلك، كانت الحجة إنما تقوم بأصل الشريعة، إذا أقام الله تعالى الإعلام بالمعجزة على من تعبدنا على لسانه، ليدلنا بذلك على صدقه، ويؤمننا من غلطه فيما هو الحجة فيه، لم يجز لنا القبول منه، ما لم يعلم صدقه، وليست هذه حال خبر الواحد؛ لأن تجويزنا لكذبه لا يمنع من أن يلزمنا العمل به من جهة النبي، بأن يوجب علينا العمل بما يخبرنا الواحد.
وأما خبر الواحد في إثبات القرآن، فإنه لا يمتنع أن يتعبد بقبول خبره فيه، فيدل على ما تضمنه من الحلال والحرام، ولا يقطع على أنه من القرآن، وإنما منع الشرع منه.