ولأن المشهود على شهادته يكون كالمحكوم عليه، ألا ترى أن من الفقهاء من يوجب عليه الضمان، ولما لم يجب الحكم على من ليس بمعين، لم يجز قبول شهادة شهود الفرع، حتى يذكروا أسماء شهود الأصل، ولما كان هذا المعنى معدوماً في الخبر، وأنه لا تعلق للخبر الثاني بالأول، لم يجز أن يحمل الخبر على الشهادة.
ولأن الشهادة أكدت باعتبار العدد والحرية والذكورية، وأن يكون ذاكراً لما شهد به، فجاز أن تعتبر تسمية شهود الأصل؛ لتأكيد الأمر فيها، والخبر بخلاف ذلك.
ولأنه لو قال نفسان من التابعين: أشهدنا اثنان من الصحابة على شهادتهما، لم يجز حتى يعيناهما، وفي الخبر يجوز عند الجميع، فدل على الفرق بينهما.
فإن قيل: أليس مع افتراقهما من هذه الوجوه قد تساويا في اعتبار العدالة في كل واحد منهما؟
قيل: فالعدالة موجودة مع الإرسال من الوجه الذي بينّا، وهو أن إرسال التابعي له، تزكيه له.
وعلى أن تساويهما في العدالة لم يمنع افراقهما من الوجوه التي ذكرناها، فدل على أن الشهادة آكد. وإنما كان حكم الشهادة آكد من الخبر من الوجوه التي ذكرناها: أن الشهادة حكم على الغير، فالتهمة تلحق، والخبر يشترك فيه المخبِر والمُخْبَر، فالتهمه لا تلحق.
واحتج: بأن الجهل بعين الراوي أكثر من الجهل بصفته؛ لأن من جهلت عينه، جهلت عينه وصفته، ثم ثبت: أنه لو كان معروف العين مجهول الصفة، مثل أن يقول: أخبرني فلان، ولا أعرف أثقة هو أم غير ثقة؟ لم يقبل خبره، فبأن لا يقبل خبره، إذا لم يذكره أصلاً أولى.