والجواب: أنا قد جعلناه حجة لنا، وقد بينا أنه يعتبر في ذلك انقراضه، لأنه قد يرجع عنه، ويتركه.
على أن قوله لا يقف العمل به على انقراضه؛ لأنه بالنسخ لا يبين الخطأ فيما كان عليه، بل يرجع عما كان عليه مع كونه صواباً في ذلك الوقت، وليس كذلك رجوع المجمعين [١٦٤/ب] ؛ لأنه عن خطأ يبين لهم.
واحتج: بأنه يؤدي إلى أنه لا يوجد إجماع؛ لأن اتفاقهم لو لم يكن إجماعاً حتى ينقرضوا، لوجب إذا حدث قوم معهم من أهل الاجتهاد: أن يعتبر اتفاقهم معهم وانقراضهم، ولو وجب هذا لم يحصل الإجماع أبداً؛ لأن كل عصر مندرج في عصر بعده، ويحدث فيه أهل الاجتهاد من أهل العصر الثاني قبل انقراض العصر الذي قبله، ويدخلون معهم في الاجتهاد، ويجب اعتبار رضاهم بقول من قلتم وموافقتهم لهم فيه، وهذا يمنع وجود الإجماع أبداً.
والجواب: أن هذا مبني على أصل: أن (١) التابعى إذا أدرك عصر الصحابة هل يعتد بخلافه ووفاقه؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا يعتّد، وإذا لم يعتدّ به لم يفض إلى ما قالوه من أنه: لا يحصل الإجماع.
والرواية الثانية: يعتد به، فعلى هذا لا يفضي إلى ما قالوه أيضاً؛ لأن الصحابة إذا كانت على قول، فحدث تابعي، وصار من أهل الاجتهاد، فهو وهم من أهل الاجتهاد في ذلك العصر، فإذا انقرضت الصحابة، وبقي ذلك التابعي، فحدث تابعي، وصار من أهل الاجتهاد، لم يسغ له الخلاف؛ لأنه ما عاصر الصحابة، وإنما عاصر من عاصرهم، وإنما يسوغ الخلاف لمن عاصرهم، فأما من عاصر من عاصرهم فلا، وإذا كان كذلك لم يفض إلى ما قالوه.