للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتخلف في النادر، فيتبع ظنّ العاقل الغالب دون النادر، وإذا كان كذلك، كان هذا الظن في الأحكام الشرعية كثيراً؛ لأن النظائر والشواهد فيها تتكرر وتكثر، فيغلب على ظن المجتهد فيها أن موضع الخلاف بمنزلتها، وطريق العلم بالنظر في هذه الأصول، هو الثابت الذى يدل على تعلق الحكم بمعنى واتباعه له، مثل العصير الحلو يكون حلالاً، وإذا حدثت فيه الشدة المطربة حرُم، ويعلم أنه لم يحدث غيرها، فإذا زالت الشدة المطربة حل، ونعلم أنه لم يزل غيرها، فلو قدرنا عود الشدة المطربة وحدها لقدرنا عود التحريم، فيدل هذا على أن التحريم تابع للشدة، وأن النبيذ يجب أن يكون حراماً لوجود الشدة المطربة فيه.

ومثل هذا كثير.

فإن قيل: يجوز أن يكون هذا تابعاً للاسم يزول بزوالها، ويعود بعودها.

قيل: لا يتبع الاسم؛ لأنه لو طبخ العصير وحدثت الشدة المطربة فيه كان حراماً وإن كان لا يسمى خمراً؛ لأن الخمر عندهم هو العصير الذى قد اشتد وقذف زبده، وكذلك نقيع التمر والزبيب حرام؛ لوجود الشدة المطربة، ولا يسمى خمراً، فثبت بهذا أنه يتبع الشدة المطربة دون اسم الخمر.

وطريقة أخرى وهو: أن الحكيم لا يجوز في صفته أن يكلف حكْماً ويوجب عبادة إلاّ ويجعل إلى معرفة ذلك سبيلاً بوجه، بدليل أنه كلف استقبال الكعبة، وجعل إلى التوجه إليها سبيلاً؛ من كان قريباً بالمعاينة، ومن كان بعيداً بالاستدلال حسب الاجتهاد بالأدلة المنصوبة على القبلة من النجوم والجبال والرياح والشمس والقمر، فكان فرض التوجه إليها بالاجتهاد.

وهكذا نص على دية الحر بالمقدر، وعلى بعض الجراحات كالموضِحَة (١)


(١) الموضحة: الشجة بالرأس تبدي وضح العظم.
انظر: المصباح مادة: (وضح) والمطْلِع على أبواب المقْنِع ص (٣٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>