للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان لا بدَّ لنا من تفكر فيه، وذلك فعلنا.

واحتج: بأنه يلزمكم أن تخبروا على هذه الأخبار عما يحدث في مستقبل الأيام، وعن الأجنة التي في الأرحام بغير نص، ولما لم يجز ذلك، كذلك ها هنا.

والجواب: أنَّا إنما جوزنا إثبات الحكم الشرعي؛ لأن الله تعالى قد نصب لنا أدلة على جواز القياس، ولم ينصب لنا أدلة على ما يحدث في المستقبل، فلهذا لم يجز الإخبارُ به.

ونظيره: أن ينصب لنا أدلة على الخبر بما يحدث في المستقبل، فيجوز حينئذ لنا الإخبارُ به.

واحتج: بأن النظر والاستدلال يختصان العقل، ودلالة العقل توجب الحكم للأشياء المختلفة بالأحكام المختلفة دون المتفقة، وتوجب الحكم للأشياء المتفقة بالأحكام المتفقة دون المختلفة، فإذا كان كذلك، وكان الشرع قد ورد بالحكم في الأشياء المتفقة بالأحكام المختلفة وفي الأشياء المختلفة بالأحكام المتفقة، بدلالة أنه أوجب على الحائض قضاء الصوم دون الصلاة، وإن كان الحيض منافياً لهما، وفرق بين المني والمذي في الحكم وإن كانا شقيقين، علمنا أن النظر والاستدلال لا مدخل لهما في إثبات الأحكام الشرعية.

والجواب: أن العقل يمنع من الجمع بين الشيئين المختلفين من حيث اختلفا في الصفات النفسية كالسواد والببياض، وأن يفرِّق بين المِثْلَيْن فيما تقابلا فيه من صفات النفس كالسوادين والبياضين وما يجرى مجرى ذلك، فأما ما عدا ذلك فإنه لا يمتنع أن يجمع بين المختلفين في الحكم الواحد، ألا ترى أن السواد والبياض قد اجتمعا في منافاة الحمرة وما يجرى مجراها من الألوان، وأن القعود في الموضع الواحد قد يكون حسَناً إذا كان فيه نفع لا ضرر فيه، وقد يكون قبيحاً إذا كان فيه ضرر من غير نفع يوفر عليه، وإن كان القعود في ذلك الموضع متفقاً، وقد يكون القعود في مكانين مجتمعين في الحسْن بأن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>