للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أصحاب الشافعي من قال: الحج هو التردد في القصد، فهو على عمومه إلا ما خصه الدليل.

وأما قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} ١، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمْهَاتُكُمْ} ٢ فهذا أيضًا من المجمل٣؛ لأن تحريم الأعيان لا يصح، وإنما يحرم أفعالنا في العين، وليس لأفعالنا ذكر في اللفظ، والمذكور فيه متروك بالإجماع، فوجب التوقف فيه، وطلب دليل يدل على المراد.

وقد أومأ إليه أحمد -رحمه الله- أيضًا في كتاب "طاعة الرسول" فقال: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} ٤، وقال: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} ٥، فلما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير"٦، دلت أحكام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن الآية ليست على


١ "٣" سورة المائدة.
٢ "٢٣" سورة النساء.
٣ هذه الآية ومثيلاتها قد حكم المؤلف "ص: ١٠٦" بأنها مبينة، ثم حكم هنا، أنها مجملة. ولم يتفطن أحد إلى سبب هذا التناقض. والذي أعتقده أن القاضي أبا يعلى نقل في الأول كلام الجصاص -رحمه الله- في أصوله بنصه، وكان فيه: أن هذه الألفاظ مبينة. ولما جاء إلى هنا، وكان مستقلا في رأيه حكم بأنها مجملة. وسنتعرض لذلك عند دراستنا للمخطوطة إن شاء الله تعالى.
٤ "٣" سورة المائدة.
٥ "١٤٥" سورة الأنعام.
٦ هذا الحديث رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا، أخرجه عنه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من =

<<  <  ج: ص:  >  >>