قيل: إنما وجب ذلك فيما ذكرت؛ لأنه لا نص (١) هنا يوجب الحكم في الأصل، وإنما أوجب الحكم فيه بالإجماع، أو ما يجري مجراه من الأدلة، مثل فحوى الخطاب كقوله عليه السلام في السَّمن الذي ماتت فيه الفأرة:(إن كان جامداً، فألقوها وما حولها، وإن كان معائعاً، فأهريقوه) ، وليست هذه سبيل الأصل المنصوص عليه، لأن الحكم إنما وجب فيه بالنص الوارد به.
يبين صحة ذلك، أن الحكم المجمع عليه، إذا كان له ذكر في الكتاب أو في السنة، صار الإِجماع صادراً عن ذلك النص، وإن كان لو لم يكن له ذكر فيهما لم يكن الإجماع صادراً عن نص، كذلك القياس، إذا كان على أصل منصوص عليه، صار الحكم الذي حكم به من طريق القياس، مراداً بذلك النص. وإن لم يجب أن يكون مراداً بالنص، لو لم يكن الأصل منصوصاً عليه.
واحتج المخالف:
بأنه لما لم يجز أن يراد بالعبادة الواحدة، معنيين مختلفين في حالة واحدة، وكان الحكم المحكوم به من طريق القياس مخالفاً في المعنى لحكم الأصل [٢١٠/أ] المنصوص عليه، كقياس الجص على البُر، والزعفران والقطن على الذهب والفضة، لم يجز أن يحكم بأنه مراد بالنص الموجب لحكم الأصل.
والجواب: أن المعنيين إذا كانا مختلفين، جعل النص كأن الله تعالى أمر به في وقتين، فأراد به أحد المعنيين في وقت، والمعنى الآخر في الوقت الآخر.
كما قلنا في آية الصلاة: أنه أريد بها الفرض والنافلة، فقدرناها على هذا الوجه.