قيل: الخبر في الفعل إنما اقتضى فعل مرة واحدة؛ لأنه إخبار عن إيقاع فعل في زمان قد شاهده فيه، وهذا لا صيغة له تقتضي العموم، نظيره أن ترد لفظة الأمر قضية في عين، فلا تقتضي الصيغة العموم.
فإن قيل: لو قال: افعل مرة، لم يقتضِ التكرار.
قيل: لا نسلم هذا، بل نقول: يقتضي الكفَّ مرة، فإذا فعل مرة سقط النهي؛ لأن المنهي عنه قد يكون قبيحًا في وقت، حسنًا في وقت آخر، كالأمر يكون حسنًا في وقت، قبيحًا في وقت آخر. يبين صحة هذا: أنه لو قال لعبده: لا تدخل الدار، ولا تكلم زيدًا إذا قام عمرو، اقتضى ذلك الكف عند وجود الشرط، كالامر المعلق بشرط يقتضي وجوده عند وجود الشرط، ولو أطلق النهي اقتضى الكفّ على الدوام كالأمر.
فإن قيل: النهي يقتضي قبح المنهي عنه، فأي وقت فعله كان فاعلا للقبيح، وفعل القبيح يستوجب عليه الذَّم، والأمر يقتضي حسن المأمور به وإيجاده، فإذا وجد كان مؤتمرًا، وإن حصل تاركًا لما عداه.
قيل: قولك: "إن النهي يقتضي قبح المنهي عنه" غير مسلم؛ لأن المنهي عنه قد يكون ندبًا وفضلا، وقد بَيَّنَّا ذلك فيما تقدم، وقد يكون محرمًا كالأمر يكون ندبًا، ويكون موجبًا.
وقوله:"إن الأمر يقتضي حسن المأمور به، فلم يجب تكراره"، غلط؛ لأن الحسن لا يجب فعله متكررًا أو مرة واحدة من حدث كان حسنًا؛ لأن من الحسن ما يجب الدوام على فعله، كالصلاة، ومنه ما لا يجب كالحج.
فإن قيل: حمل الأمر على الدوام فيه مشقة وتكليف لما لا يطاق، وانقطاع عن المصالح، وترك العبادات والنسل، وليس في حمل النهي على التَّكرار مشقة، وتكليف لما لا يطاق وانقطاع عن المصالح.