للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال التثنية، وإذا صح هذا وكان خطاب الله تعالى في صورة "افعلوا" خطابًا لجميع الناس؛ لأن هذا خطاب لحاضر، وجب أن يكون متناولًا لسائر المكلفين من الرجال والنساء.

فإن قيل: لو كان اللفظ متناولا للذكور والإناث معًا لما غلب أحدهما، بل كانا يتساويان فيه؛ فلما غلب التذكير ثبت أن اللفظ موضوع للذكور، فيجب حمله عند الإطلاق على موضوعه.

قيل: ليس إذا غلب أحدهما كان الخطاب، [٤٢/أ] لأحدهما دون الآخر، كما قلنا: إذا اجتمع من يعقل مع ما لا يعقل، وإذا اجتمع الأيام مع الليالي؛ فإنه يغلب أحدهما واللفظ شامل لهما، كذلك ههنا، وكما يقال: فلان وفلانة قائمان؛ فيغلب التذكير وإن تناولهما.

وأيضًا: فإن الآمر إذا قال لمن بحضرته من الرجال والنساء: "قوموا واقعدوا"؛ كان ذلك خطابًا لهم جميعًا باتفاق أهل اللغة. ولو قال: "قوموا وقمن؛ كان ذلك لكنة وعيًّا، فعلم أن الخطاب يصلح لهما، ويشتمل عليهما.

فإن قيل: لو كان أوامر الله تعالى بمنزلة أمر الآمر لمن بحضرته؛ لما حق وروده بلفظ الأمر للغائب؛ فلما وجدنا الله تعالى قد أمر الغائب بقوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} ١، وقوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} ٢ علمنا أن أمره مخالف للآمر يأمر من بحضرته٣.

قيل: إن كان لفظ الأمر للغائب؛ فالمراد به الحاضر، كما تقول: "اللهم اغفر"، بمنزلة خطاب الحاضر، وتقول: "غفر الله لي"، بمنزلة


١ "٥" سورة الطارق.
٢ "٤" سورة قريش.
٣ في الأصل "أن أمره مخالف للآمر من يأمر بحضرته".

<<  <  ج: ص:  >  >>