وكذلك قوله:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} يعني: أحل له، والإحلال له: تأثير له.
وكذلك قوله:{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} أراد: بيناها، والبيان: تأثير فيها.
وكذلك فرض الحاكم يعني: قدّر، والتقدير له: تأثير في الحصر والتعيين.
واحتج: بأنه لو كان الفرض عبارة عما كان في أعلى المنازل من الوجوب؛ لوجب أن يختص الاسم بمعرفة التوحيد وتصديق الرسول؛ لأنه أعلى منزلة من غيره.
والجواب: أن الفرض لما كان عبارة عن العبادة التي تؤثر في نفس المكلف في المبادرة إليه والمسارعة إلى فعله، وهذا التأثر موجود في جميع ما علم قطعًا أنه مراد منا، مثل الصلوات ونحوها، فوجب أن يكون جميعها فرضًا، وإن كان بعضها آكد من بعض، كما أن التأثير الواقع في الشيء يتفاوت، وإن كان الاسم يتناول جميعها، ويفارق ذلك ما لا يقع منه التأثير.
واحتج: بأن الواجب اسم لما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، والفرض اسم لهذا أيضًا؛ فإذا كانا متساويين في هذا المعنى؛ لم يكن لأحدهما مزية لاختلاف اسمهما، كما أن الندب والنفل لما كان معناهما واحد -وهو ما يستحق بفعله ثواب؛ لم يكن لأحدهما مزية على الآخر.
والجواب: أن الواجب وإن ساوى الفرض في الثواب والعقاب؛ فقد خالفه من وجه آخر، وهو: أن ثبوته من طريق مقطوع به، فمنع من المساواة في التسمية، كما أن الندب والمباح تساويا في إسقاط [٤٨/ب] العقاب، واختلفا في التسمية لاختلافهما من وجه، وهو: أن الندب يثاب على فعله، والمباح لا ثواب عليه.