للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسمع كلامه هاذٍ١ سفيه، غير جائز.

قيل: هذا لا يصح لوجوه:

أحدها: أن هذا إن كان صحيحًا؛ فإنما يكون فيمن يفعل الكلام ويصح منه تركه؛ فأما من يجب كونه متكلمًا في أزليته؛ فلا يصح هذا في حقه.

الثاني: أنه لو كان هذيانًا، إذا لم يكن سامع٢ للخطاب، لوجب أن يقال إذًا: "هذى الطفل والمجنون والمبرسم"، وهناك من يسمع ذلك، أن لا يكون هذيانًا، لأجل أن هناك سامعًا حاضرًا٣؛ فلما لم يجب هذا، لم يصح ما قالوه.

الثالث: أنهم لا يجدون كلامًا لأحد منا؛ إلا وهناك سامع؛ لأنه لا أحد منا متكلم في سر ولا جهر؛ إلا والله تعالى سامع كلامه.

وجواب آخر وهو: أن معنى الكلام لنفسه الإفهام والتعليم والإشعار بما يريد إفهامه بالكلام، ويكون هذا بمثابة من زعم أنه لو كان عالمًا قادر بنفسه غير معلم ولا مقدر لأحد، ولا ينتفع بكونه عالمًا قادرًا في قدمه؛ لوجب كونه سفيهًا عابثًا، وإذا لم يجز ذلك لم يجب ما قالوه.

وعلى أن الإنسان منا قد يوصي إلى معدوم وقت الوصية، ويأمره فيها وينهاه في وصيته [٥٠/أ] ولا يكون عبثًا، مع أن الذم قد يصح قبل وجود المذموم، بدليل أن الله تعالى ذم إبليس فيما لم يزل قبل خلقه.


١ في الأصل: "هادي" بدون اعجام.
٢ في الأصل: "سامعًا للخطاب" والصواب ما أثبتناه به لأن "كان" هنا تامة، بمعنى "وجد".
٣ في الأصل: "سامع حاضر".

<<  <  ج: ص:  >  >>