للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركه من غير أن يقيم مقامه غيره، وهذا يمنعه وجوبه، ألا ترى أن النوافل لما كانت بهذه الصفة؛ لم تكن واجبة؟

ووجه من قال جميعه واجب أن قوله تعالى: {ارْكَعُوا} ١ يقتضي ما يتناوله اسم الركوع، وإن جاز الاقتصار على الجزء، كما أن من أذن لآخر في أن يتصدق من ماله بما شاء على زيد، فتصدق عليه بألف؛ جاز، وإن٢ كان فاعلًا لما أمر به، وإن كان له أن يقتصر على قدر درهم واحد.

وكذلك قوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} ٣، يعبر عن كل ما تيسر؛ وإن جاز الاقتصار على القليل، مثل من قال: "بع عبدي بما تيسر"؛ جاز بيعه بما كان، وإن جاز له أن ينقص منه.

ولأن البناء كالابتداء؛ ولهذا لو حلف: لا يأكل ولا يلبس ولا يركب، فاستدام ذلك؛ حنث، كما لو ابتدأ، كذلك في مسألتنا.

والجواب: أن قوله: "اركعوا" يفيد أدنى ما يتناوله الاسم، ألا ترى أنه متى فعل هذا القدر سقط الفرض عن ذمته؛ فلم يجز الزيادة عليه إلا بدلالة، ويفارق هذا قوله لآخر: تصدق على فلان من مالي؛ لأن العادة [٥٤/ب] جارية أنه متى أراد تقدير العطية؛ فإنه يبينه للمأمور، فلما


١ "٧٧" سورة الحج.
٢ الواو هنا قلقة، وقد دأب على التعبير بها في مواطن كثيرة.
٣ "٢٠" سورة المزمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>